fbpx

الواحدي ومنهجه في تفسيره البسيط

الواحدي ومنهجه في تفسيره البسيط

إعداد الدكتور عمر إبراهيم رضوان

أستاذ مساعد في القرآن وعلومه – جامعة المدينة العالمية

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد…

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن أجل ما صرفت فيه الأعمار كتاب الله -جل وعلا-، قراءة وتعلمًا وتعليمًا وحفظًا وتفسيرًا، كيف لا؟! وهو الذي جمع أسس الخير كلها، وقواعد النجاة، وأسباب النجاح، وأصول الرفعة، فهو كتاب الحياة والأحياء، فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، لا تنقضي عجائبه، ولا ينطفئ نوره، وإلا يخلق من كثرة الرد، بل يظل جديدا يزيده التكرار حلاوة ، ولا يزيده مرور الزمن إلا سطوعًا وثباتًا، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد}.

عكف العلماء على مائدته منذ نزوله، وتعددت دراساتهم حوله؛ في غريبه، وقراءاته، وإعرابه، وبلاغته، وتفسيره الذي حظي بالنصيب الأوفى من هذه الدراسات بين طويل ومتوسط ومختصر.

كان من بينهم جهد الإمام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (المتوفى 468هـ) الذي بسط وأوجز في هذا العلم، وصارت كتبه مرجعًا لمن جاء بعده، ينهلون من كنوزها الثمينة؛ لما بذله من جهد مضنٍ أخذت منه السنون الطويلة، حتى قال في مقدمة “تفسيره الوجيز”: ابتدأت بإبداع كتاب في التفسير لم أُسبق إلى مثله، وطال علي الأمر في ذلك لشرائط تقلدتها، ومواجب من حق النصيحة لكتاب الله تعالى تحملتها.

وقد ذكر في مقدمة كتابه “البسيط” الدوافع التي حملته على تأليف هذا الكتاب القيم وما عاناه في سبيل أن يخرج سفرًا نفيسًا ومرجعًا نادرًا لم يُسبَق إلى مثله كما قاله في مقدمة تفسيره الوجيز سابقًا:

“وبعد: فمنذ دهر تحدثني نفسي بأن أعلق لمعاني إعراب القرآن وتفسيره: فِقَرًا في الكشف عن غوامض معانيه، ونكتًا في الإشارة إلى علل القراءات فيه، في ورقات يصغر حجمها ويكثر غنمها، والأيام تمطلني بصروفها على اختلاف صنوفها، إلى أن شدد علي خناق التقاضي قوم لهم في العلم سابقة، وفي التحقيق همم صادقة، فسمحت قرونتي بعد الإباء، وذلت صعوبتي بعد النفرة والالتواء، وذلك لتوفر دواعي أهل زماننا على الجهل، وظهور رغباتهم عن العلم، الذي فيه شرف الدين والدنيا، وعز الآخرة والأولى”.

حتى أثنى علي تفسيره كثير من أهل العلم؛ منهم: ابن قاضي شهبة قائلاً: ومن تصانيفه: “البسيط” في خمسة عشر مجلداً، وهو من أحسن التفاسير، ولم يصنف مثله، بل اكتفى بعضهم بها عن التأليف في هذا العلم الجليل لعظيم قدرها، وعلو منزلتها كالإمام الغزالي الذي حين سُئِل: لِمَ لا تصنف في التفسير؟، فقال : يكفي ما صنف فيه شيخنا الإمام أبو الحسن الواحدي؛ ولعل هذا الإعجاب من الغزالي حمله على أن يسمى تواليفه الثلاثة في الفقه بأسماء كتب الواحدي الثلاثة في التفسير، وقد تناولت هذا البحث المختصر في: مقدمة، وفصلين، وخاتمة، وقد جاءت خطة البحث كالآتي:

الفصل الأول: ترجمة الإمام الواحدي.
المبحث الأول: التعريف بالواحدي: حياته وآثاره العلمية.
المبحث الثاني: طلبه للعلم، ورحلاته فيه، والعلوم التي برز فيها.
الفصل الثاني: التعريف بكتابه البسيط ومصادره ومنهجه فيه:
المبحث الأول: كتابه البسيط ونسبته إليه والباعث على تأليفه.
المبحث الثاني: منهج الواحدي في تفسيره.
المبحث الثالث: مصادره في تفسيره.
المبحث الرابع:قيمة الكتاب العلمية.
المبحث الخامس: أثر الواحدي فيمن بعده من العلماء من خلال كتبه